لماذا رحلت أيها الرفيق د. جورج حبش دون موعد؟ .. فهذا الخرق التنظيمي الأول أيها المعلم، والثوري.. أنت الحكيم الذي انتفضت، وثرت، وتمردت على المأساة والواقع الفلسطيني، اوالعربي منذ منتصف القرن الماضي، وحرثت بسنديان الغضب، الأرض والإنسان، وزرعت الفكر والعمل، لكن الزرع لم يكتمل بعد أيها الرفيق القائد، فلماذا الرحيل قبل الأوان؟ فهل يرحل الثوار قبل الحصاد.. قبل تحقيق الأهداف؟ نعرف أنك من المغضوب عليهم من كل أنظمة الاستبداد والتخلف الاجتماعي، من كل أطياف العولمة المتوحشة، والنظام العالمي الجديد، وأتباع الفوضى الخلاقة، والفكر الظلامي، لكن مهمتك التي اخترتها بوعي وبفهم للعقل والتنوير، وبمعرفة لقوانين الجدل والتطور التي تسلحت بها، لا زالت لم تنجز بعد.
صارعت الموت، لم تتأفف، لم تجبن، لم تستسلم، ورفعت الراية، المجد للمقاومة، المجد للشهيد، المجد للجريح، المجد لمن يرفع راية الكفاح والنضال، لم تساوم للحظة على الرملة أو اللد .. أدركت قبل غيرك أن الإنسان قضية وموقف.. فلماذا لا يصارع الموت الموت؟ آه من الموت.. لماذا لا يترك الحياة تسير بانتظام بالمركزية الديمقراطية، ليكمل الثوار مهماتهم التي صنعهم الشعب من أجلها؟ ثم يرحلون بأذن من جماهيرهم الشعبية، لأنهم ليسوا ملكية خاصة بل ملكية شعبهم وجماهيرهم .. لكن هذه هي الحياة وقوانينها.
قوانين الحياة والتطور نخضع لها. لا نملك تغييرها.. لكن علينا فهمها، وتسخيرها للجماهير الفقيرة من الشغيلة والفعال والمسحوقين، وكل من لا يملك سوى بيع قوة عمله، ولكن من يصنع القادة؟ هل يصنعون أنفسهم؟ هل تصنعهم شعوبهم؟ أم لا هذا ولا ذاك.. أسئلة احتار علماء السياسة والاجتماع والاقتصاد السياسي والتاريخ الإجابة عليها.. لكن الحكيم أجاب بفكره الماركسي – اللينيني، وبمنهجه المادي الجدلي، كما أجاب عليها من قبله، ماركس، وانجلز، ولينين. فالإنسان ابن مجتمعه، وأفكاره الاجتماعية هي انعكاس لواقعه الاجتماعي.
الجماهير الشعبية هي من تصنع التاريخ.. ولان الحكيم من صلب هذه الجماهير صنع تاريخا.. فكان منظما للجماهير وقائدا لها.. اعتمد على نظرية علمية في التطور الاجتماعي، مكنته من المبادرة والتنبؤ الصحيح بوجهة سير العملية التاريخية والنضالية، ولأنه ارتبط بالجماهير ووعى بمبادراتها الخلاقة، امتلك القدرة لا على تعليم الجماهير، وتنظيمها، فحسب بل والتعلم منها أيضا.
لقد كان الرفيق د. جورج حبش مثالا لنظافة اليد واللسان والقلب، والنموذج الثوري الحقيقي الديمقراطي بالفعل وليس بالكلام حين تخلى عن مسؤوليته كأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ليضرب المثل لكل المناضلين والمقاتلين والثوريين بهذا السلوك، وهذا النهج.
الوفاء للقائد الوطني، والقومي، والأممي الدكتور جورج حبش، ولذكراه، ولمدرسته الفكرية والثورية، ولتاريخه النضالي، ولأفكاره التي تتطلب إعادة دراستها، وتدريسها لكل الثوريين والديمقراطيين والتقدميين، واستلهام العبر والدروس لمواجهة العدو القومي والطبقي، فذكراه العطرة بلسم للجراح النازفة، وشعلة لن تنطفئ.
وداعا يا سماء الشهداء
وداعا ياحكيم الثورة وعنوان اليسار والنضال